فصل: الخبر عن بني خزرون ملوك سجلماسة من الطبقة الأولى من مغراوة وأولية ملكهم ومصائره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن بني خزرون ملوك سجلماسة من الطبقة الأولى من مغراوة وأولية ملكهم ومصائره:

كان خزرون بن فلفول من أمراء مغراوة وأعيان بني خزر ولما غلبهم بلكين بن زيري على المغرب الأوسط تحيزوا إلى المغرب الأقصى وراء ملوبة وكان بنو خزر يدينون بالدعوة المروانية كما ذكرناه وكان المنصور بن أبي عامر القائم بدولة المؤيد قد اقتصر لأول حجابته من أحوال العدوة على ضبط سبتة برجال الدولة ووجوه القواد وطبقات العسكر ودفع ما وراءها إلى أمراء زناتة من مغراوة وبني يفرن ومكناسة وعول في ضبط كوره وسداد ثغوره عليهم وتعهدهم بالعطاء وأفاض فيهم الإحسان فازدلفوا إليه بوجوه التقربات وأسباب الوصائل وكان خزرون بن فلفول هذا زحف يومئذ إلى سجلماسة وبها المعتز من أعقاب آل مدرار فانتزى بها أخوه المنتصر بعد قفول جوهر إلى المغرب وظفر بأميرهم الشاكر لله محمد بن الفتح فوثب المنتصر من أعقابهم بعده على سجلماسة وتملكها ثم وثب به أخوه أبو محمد سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة فقتله وقام بأمر سجلماسة وأعاد بها ملك بني مدرار وتلقب المعز بالله فزحف إليه خزرون بن فلفول سنة سبع وستين وثلثمائة في جموع مغراوة وبرز إليه المعتز فهزمه خزرون واستولى على مدينة سجلماسة ومحا دولة آل مدرار والخوارج منها آخر الدهر وأقام الدعوة بها للمؤيد هشام فكانت أول دولة أقيمت للمروانيين بذلك الصقع ووجد للمعتز مالا وسلاحا فاحتقنها وكتب بالفتح إلى هشام وأنفذ رأس المعتز فنصب بباب سدته ونسب الأثر في ذلك الفتح لصحابة محمد بن أبي عامر ويمن طائره وعقد لخزرون على سجلماسة وأعمالها وجاءه عهد الخليفة بذلك فضبطها وقام بأمرها إلى أن هلك فولي أمر سجماسة من بعده ابنه وانودين.
ثم كان زحف زيري بن مناد إلى المغرب الأقصى سنة تسع وستين وثلثمائة وفرت زناتة أمامه إلى سبتة وملك أعمال المغرب وولى عليها من قبله وحاصر سبتة ثم أفرج عنها وشغل بجهاد برغواطة وبلغه أن وانودين بن خزرون أغار على نواحي سجلماسة وأنه دخلها عنوة وأخذ عامله وما كان معه من الأموال والذخيرة فدخل إليها سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة وفصل عنها فهلك في طريقه ورجع وانودين بن خزرون إلى سجلماسة وفي أثناء ذلك كان استيلاء زيري بن عطية بن عبد الله بن خزر على المغرب وملك فاس بعهد هشام ثم انتقض على المنصور آخرا وأجاز ابنه عبد الملك في العساكر إلى العدوة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة فغلب عليها بني خزر ونزل فاس وبث العمال في سائر نواحي المغرب لسد الثغور وجباية الخراج وعقد فيما عقد على سجلماسة لحميد بن يصل المكناسي النازع إليهم من أولياء الشيعة فعقد له على سجلماسة حين فر عنها بنو خزرون فملكها وأقام فيها الدعوة ولما تفل عبد الملك إلى العدوة وأعاد واضحا إلى عمله بفاس استأمن إليه كثير من بني خزر كان منهم وانودين بن خزرون صاحب سجلماسة وابن عمه فلفول بن سعيد فأمنهم ثم رجع وانودين إلى علمه بسجلماسة بعد أن تضامن أمرها وانودين وفلفول بن سعيد على مال مفروض وعدة من الخيل والدرق يحملان إليه ذلك كل سنة وأعطيا في ذلك أبناءهما رهنا فعقد لهما واضح بذلك واستقل وانودين بعد ذلك بملك سجلماسة منذ أول سنة تسعين وأربعمائة مقيما فيها للدعوة المروانية ورجع المعز بن زيري إلى ولاية المغرب بعهد المظفر بن أبي عامر سنة ست وتستعين وأربعمائة واستثنى عليه فيها أمر سجلماسة لمكان وانودين بها ولما انتثر سلك الخلافة بقرطبة وكان أمر الجماعة والطوائف واستبد أمراء الأمصار والثغور وولاة الأعمال بما في أيديهم استبد وانودين هذا بأعمال سجلماسة وتغلب على عمل درعة واستضافه إليه.
ونهض المعز بن زيري صاحب فاس سنة سبع وأربعمائة مع جموع من مغراوة يحاول انتزاع هذه الأعمال من يد وانودين فبرز إليه في جموعه وهزمه وكان ذلك سببا في اضطراب أمر المعز إلى أن هلك واستفحل ملك وانودين واستولى على صبرون من أعمال فاس وعلى جميع قصور ملوية وولى عليها من أهل بيته ثم هلك وولي أمره من بعده ابنه مسعود بن وانودين ولم أقف على تاريخ ولايته ومهلك أبيه.
ولما ظهر عبد الله بن ياسين واجتمع إليه المرابطون من لمتونة ومسوفة وسائر المتلثمين وافتتحوا أمرهم بغزو درعة سنة خمس وأربعين وأربعمائة فأغاروا على إبل كانت هناك في حمى لمسعود بن وانودين وقتل كما ذكرناه في أخبار لمتونة ثم عاودوا الغزو إلى سجلماسة فدخلوها من العام المقبل مدخلوها وقتلوا من كان بها من فل مغراوة ثم تتبعوا من بعد ذلك أعمال المغرب وبلاد سوس وجبال المصامدة وافتتحوا صفروي سنة خمس وخمسين وأربعمائة وقتلوا من كان بها من أولاد وانودين وبقية مغراوة ثم افتتحوا حصون ملولة سنة ثلاث وستين وأربعمائة وانقرض أمر بني وانودين كأن لم يكن والبقاء لله وحده وكل شيء هالك إلا وجهه سبحانه وتعالى لا رب سواه ولا معبود إلا إياه وهو على كل شيء قدير.